تقول هذه الفتاة :
تسع بنات وخمس ذكور هم عدد أفراد أسرتي بالإضافة إلى الوالدين .. كان همّ
الوالدة الأكبر هو تزويج البنات التسع ، وقد شاع في مجتمعنا الفاسد أنّ
البنت لكي تجد عروساً لا بد أن تتعرى باللبس القصير !
، وتتجمل بالماكياج ! وتصفّف شعرها على أحدث خطوط الموضة !!
عشنا الفساد بأكمله .. تزيّنا .. وخرجنا بأحدث زينتنا ، وكنا فرائس لذئاب بشريّة .. هذا بنظرة ، وذاك بكلمة .. وكل على شاكلته ..
في ذلك الوقت ، لم نكن نعرف من الإسلام سوى الأركان الخمسة فقط ، وليتنا
عملنا بها .. إلا أن ظاهرة بدأت تظهر بين الفتيات آنذاك ، الواحدة تلو
الأخرى ، إنها ظاهرة لبس الحجاب .. كنت أرى تلك الفتيات وأنا جدّ محتارة
إلى أن قررت إحدى أخواتي الثمان لبسه فلبسته .. في بادئ الأمر رحبّت به
العائلة ، ثم لم تمض أيام حتى بدأت مضايقة الأم لها !
وذلك لما تسمعه من الجيران وخالاتي بأنّ من تتحجّب لن تتزوج ! ، وكلّهم
يقول : إنها ربما ارتدت الحجاب لعاهة تريد إخفاءها ! ، فجنّ جنون أمّي ،
وبدأت في مشاكستها بكلّ ما تملك ، حتّى أصبحت تناديها بـ ( المسلمة ) !
استهزاءً بها ، حتّى وصل الأمر إلى الضرب في كثير من الأحيان ! ، أمّا أنا
فأرجو الله المغفرة ، فقد كنت من أجل أن أفوز برضى أمّي أبالغ في التجمّل
والتبرّج ، فكانت تعيرها بي ، وكنت دائماً محل تقدير وثناء ..
ومرّت سنتان أو ثلاث وأنا على هذه الحال ، وفي يوم 19 جانفي 1987م (
1407هـ ) خرجت مع بعض زميلاتي في نزهة (!) ، وفي الطريق مررنا بكنيسة ،
وبعد مشاورات قرّرنا الدخول .. فوجدنا العديد من النصارى يصلّون صلاتهم (
هداهم الله جميعاً ) . .خرجت وأنا أحسّ بشيء ما يعتلج في صدري ، لم يعجبني
حالي .. وهالني تمسّكهم بدينهم المحرف ، وخشوعهم في صلاتهم ( ) . . .
أشياء عدّة لا أستطيع حتّى التعبير عنها ، وفي يوم الجمعة 21 جانفي
– وهذا اليوم لا أنساه أبداً – كنت منهمكة في غسل الأواني ،
فإذ بي أسمع حديثاً كان يدور بين أخواتي ، حيث ذكرت إحداهنّ أنّها رأت
البارحة في منامها أن القيامة قد قامت ، ثم بدأت تصف ما رأته من أهوال
وشدائد .. ارتجف قلبي بشدّة .. تركت ما في يدي ودخلت عليهنّ الغرفة ،
وحلفت يميناً إن هي أعطتني حجاباً أن ألبسه غداً ، وأواظب على الصلاة ولا
أتركها أبداً .. والله شهيد على ما أقول ، فأحضرت لي أختي حجاباً ، فعقدت
العزم على لبسه وأنا على مائدة العشاء ..
قلت لأبي : أودّ أن ألبس الحجاب غداً إن شاء الله ! ..
صمت قليلاً ، ثمّ قال : موافق ، لكن بشرط .
قلت : ما هو .
قال : ألّا تنزعيه أبداً ..
فقلت : موافقة .
نظرت أمي إليّ نظرة طويلة ولم تقل شيئاً ، لأن الكلمة الأولى والأخيرة في البيت كانت لوالدي .
لم أنم تلك الليلة ، لا أقول من شدة الفرح ، وإنّما خوفاً من الغد .. حامت
حولي وساوس الشيطان .. أسئلة كثيرة كانت تدور في مخيّلتي : لمَ تدفني نفسك
بهذا الثوب ، وأنت دائماً تحبيّن الانطلاق ، وتعشقين الجمال . .ثيابك .
.شعرك .. قدّكِ .. لم تخفين كلّ هذا ؟
نهضت باكراً ، وارتديت الحجاب .. كانت خطواتي متثاقلة ، واحدة للأمام ،
والأخرى للخلف .. الأولى تقول لي .. تقدّمي والله معك ، والثانية تقول :
لمَ تفعلين هذا ؟ وزينتك ، وجمالك .. !
استعذت بالله من الشيطان ، وخرجت .. الجميع جاؤوا يهنّؤنني على هذا القرار
.. لن أنسى أبداً ذلك اليوم ، جلّ زميلاتي جئن في أحلى لباس ، وآخر موضة
تسريحة شعر ، فبقيت أنظر حائرة في أمري ، لكن الله عز وجل لم يتركني ، بل
هيّأ لي مجموعة من الأخوات الصالحات انتشلنني من بحر الندم والضياع إلى
عالم لا حدود له ، عالم آخر ملائكي .. فاخضرّت الحياة في وجهي وأزهرت ، ثم
أنعم الله عليّ فحملت المصحف وحفظت ما تيسّر منه ، ودخلت المسجد .. فتحت
الكتب أمامي في العقيدة والفقه والحديث والسيرة ، وحتّى الأناشيد
الإسلامية .. كلام طيب .. علمت بتحريم الغناء ، ومصافحة الأجنبيّ ، وإظهار
الزينة ، فإذا الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وحتّى الوالدة الكريمة بعد أن
تحجّبت بناتها التسع ، وبدأنا نُسمعها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله
عليه سلم الشيء الكثير ، تغيّرت كثيراً ، وأصبحت الصدر الحنون لنا
ولزميلاتنا في المسجد ولله الحمد والمنّة ، أمّا موضوع الزواج ، فقد كان
الأمر على عكس ما كانت تعتقد ، فقد تزوج سبع بنات من التسع من إخوة صالحين
، وبقيت اثنتان ، وهما على وشك الزوج إن شاء الله .
أمّا أنا فقد أخذت مكاني في المسجد عوضاً عن الشوارع والأسواق ، والحمد
لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا
لنهتدي لولا أن هدانا الله . .
منقول